البضائع الصينية تملأ الأسواق السورية

 

المنتجات الصينية في الأسواق السورية ليست حديثة العهد، لكن ازديادها تزامن مع الأزمة الاقتصادية المتزايدة والتي أدت إلى زيادة الطلب عليها وخاصة من قبل الطبقة المتوسطة، وقد انتشرت المنتجات الصينية في السوق السورية حتى قال احدهم مازحاً “إنني اعتقد أن كل ما ارتديه من قمة رأسي حتى أخمص قدمي صيني الصنع.” ويكاد كل شخص صيني لا يشعر بالغربة عندما يصل إلى سوريا، لأن في الأسواق والشوارع بضائع صينية كثيرة مثل المصابيح والساعات والمنبهات والمراوح الكهربائية والسيارات.

كما أن نجمي السينما لي شياو لونغ “بروس لي” وتشن لونغ “جاكي شان” معروفان لدى الجميع، و إذا ما صوب المواطن السوري وجهه نحو سوق البضائع الصينية الذي يفيض بكافة أنواع السلع بدءاً من الإبرة ومروراً بالأدوات المنزلية والكهربائية والألبسة وغيرها من البضائع التي أغرقت السوق السورية يجد ضالته، فأسعارها تناسب دخله المحدود على اعتبار أنها تباع بأثمان منخفضة.

وهناك محلات بيع القطعة بعشرة والتي انتشرت على أطراف المدينة بكثرة حيث أن أكثر أصنافها فخامة يباع بعشر ليرات سورية، وتلتقط العين على رفوف هذه المحلات سلعاً كثيرة مخصصة للفقراء وبأسعار فصلت على مقاس جيوبهم، وبالتالي تمكنوا من تحقيق أحلامهم باقتناء الضروريات من السلع، ووضع حد لحرمانهم منها، وهنا تبرز أسئلة عدة عن تركيبة تلك السلع التي يؤكد معظم التجار أنها بضاعة كاسدة ورديئة في البلد المصنع، غير أنها تلقى رواجاً في السوق السورية رغم المحاذير من استخدامها.

 

في هذه الجولة التي قمنا بها تعرفنا من عدد من أصحاب المحلات في الأسواق الصينية على دوافع ازدياد كميات هذه المنتجات وآثار منافستها للمنتجات المحلية.

كانت البداية في أحد المتاجر الصينية (الركن الصيني)في جنوب دمشق والذي يوزع لبقية المحلات في المنطقة ، حيث حدثنا “صاحب المحل” عن العمل بهذه البضائع فقال: «كانت فكرة العمل بالبضائع الصينية عن طريق تاجر وهو مستورد رئيسي ، ووافقنا من مبدأ أنها بضاعة رخيصة.

كانت هذه التجربة على مدى عدة شهور منذ بداية العمل في هذا المحل، ولكن لم تكن هناك نتيجة إيجابية، فمن ناحية هناك قطع تكون تالفة (غير صالحة للبيع) وهذه تكون على حسابنا وليست الشركة الموردة مسئوله عنها ،ومقارنة بين نوعي المنتجات أضاف: «أما في حال البضائع الوطنية، عند وجود أي مشكلة في قطعة ترد أو تبدل من الشركة المصنعة، كما أنّ هناك فرقاً كبيراً في الجودة، وبعد هذه المرحلة تبين لنا أنّ البضائع الوطنية هي أفضل بكثير من قرينتها الصينية التي تماثلها بالسعر.
بالنسبة للزبائن فغالبيتهم يبحثون عن القطعة الأرخص سعراً، فمثلاً هنا لدينا سعر موحد لأي قطعة ومع ذلك يوجد زبائن يطلبون تخفيض السعر.

 

 

وفي أحد المحلات المختصة بالأحذية هذه المرة، والتي يعتبر قسم كبير من بضائعها من مصدر صيني كونها أصبحت منافساً قوياً في السوق، وهناك حدثنا “صاحب المحل” عن أسرار هذه المنافسة فقال: «نعمل منذ حوالي ثلاث سنوات في مجال الأحذية، وطوال هذه الفترة يوجد قسم وهو الجزء الأكبر من البضاعة من مصدر صيني عن طريق شركة مستوردة.
منذ بداية العمل هناك إقبال على البضائع الصينية، وأكثر الزبائن يشترون الصيني من مبدأ أنه بسعر قطعة (حذاء) وطني يمكن شراء اثنين من الصيني، وأضاف عن تقييم الزبائن لكثير من المنتجات بحسب شكلها الخارجي، والذي لا يدركه إلا أصحاب الخبرة فقال: «من ناحية أخرى يأتينا زبائن تسأل عن سعر الوطني وتستغرب أنه في أماكن أخرى أقل بكثير، دون أن تعلم أنه من مصدر صيني ومماثل في الشكل فقط، وبعضهم يظنون أنّ غايتنا من قول ذلك لهم هو الشراء من عندنا، وكما لاحظت أن هذا الزبون قد اشترى حذاءين صغيرين لابنتيه بسعر قطعة واحدة وطنية ،وعندما سألناه عن رأيه بالضائع الصينية قال:
إن اختيار المنتج الصيني باعتبار أن جودته أصبحت بما يقارب 80% من جودة المصادر الأخرى التي تعتبر من النوع الممتاز وبسعر منافس ،ومن الآثار المترتبة على ازدياد هذه البضائع بحسب تعبيره: «من ناحية ازدياد البضائع الصينية والمحلات التي تعمل بها فلها نواحٍ إيجابية وسلبية في آن واحد، فمن ناحية تؤمن للزبائن القطع ذات السعر المناسب لدخلهم، ومن ناحية أخرى قل بيع المنتجات الوطنية، ومن المعلوم أنه في أي صناعات أخرى تقوم مصانع في “الصين” بتقليدها بحسب طلب التاجر ،مما يعود بالفائدة عليه فقط .

 

 

وفي محل الزجاج والخزف الصيني ، حدثنا “صاحبه” عن مجال عمله في الأدوات المنزلية فقال: «أعمل منذ حوالي عشر سنوات في مجال الأدوات المنزلية، وبالنسبة للمنتج الصيني نعمل به عن طريق مستوردين، لأنّ الزبائن يبحثون عن القطعة الرخيصة ذات الجودة المقبولة وهذه المواصفات لا تتوفر إلا في المنتج الصيني، ويتجه المستوردون نحو السوق الصيني بشكل رئيسي نتيجة لرخص القطعة من مصدرها .

وفي زيارة إلى مركز للألعاب حدثتنا السيدة “العاملة على إدارته” قائلة :نعمل في هذا المجال منذ حوالي ست سنوات، حيث بدأنا بأنواع قليلة من الألعاب، وقد اخترنا البضائع الصينية لرخصها وجودتها وتنوعها الكبير، كما أنّ الزبائن بشكل عام لا يسألون عن مصدر البضائع، والشيء المهم لديهم هو السعر فقط.

 

 

وقال لنا صاحب محل خاص لبيع الأجهزة الالكترونية وقطع غيارها بمنطقة اليرموك حيث تجد علامة “صنع في الصين” موجودة على معظم الأجهزة, واسطوانات الدي في دي DVD المعروضة في المحل إن “كل البضاعة الموجودة بالمحل صينية الصنع,” مضيفا “آخى الكبير يسافر كل 45 يوم إلى الصين ويمكث هناك حوالي 10 أيام لإبرام عقود مع العملاء الصينيين لاستيراد عدد من المنتجات الصينية.”

وأضاف صاحب المحل إن المواطن السوري يميل إلى شراء المنتجات الصينية وهذه المنتجات مربحة, فعادة ما نحقق ربحا عاليا.

وتابع قائلا إن بعض التجار يقومون باستيراد البضائع الصينية الأقل جودة لتحقيق اكبر قدر من الربح, مضيفا إن ذلك يتوقف على المستورد فهو الذي يحدد جودة المنتجات التي يقوم باستيرادها.

وأمام إحدى البسطات التي تعرض كل ما يخطر على البال من منتجات صينية (ألعاب، ملابس، أحذية..) تقول إحدى السيدات: أستطيع أن أشتري لأولادي الثلاثة أحذية بـ/1000/ل.س ولو فكرت بشراء صناعة سورية سأحتاج إلى /3000/ل.س وترى أن البضائع الصينية ليست بالرديئة والمنتج الوطني ليس بالأفضل من حيث الجودة، لكن التجار احتكروا وتحكّموا لفترة طويلة بالسوق والمستهلك ولم يكن أمامنا خيار ثان كما أن الصيني يطرح طيفاً واسعاً من السلع الاستهلاكية لم نتعود وجودها في السوق السورية.

تداعيات إغراق السوق المحلية بالبضائع الصينية

تلقى البضاعة الصينية لدى المستهلك السوري رواجاً كبيراً بسبب رخصها وطرحها طيفاً واسعاً من السلع الاستهلاكية، ويرى التجار والمستوردون أنه إذا استمر الاستيراد بهذه الكميات سيتوقف السوق الداخلي عن الإنتاج.

في حين يرى الصناعيون أن التجار أغرقوا السوق بالبضائع الرديئة وخربوا بيوت عائلات تعتاش من وراء هذه الصناعة منوهين إلى الشراكة الخفية بين المسؤول الجمركي والمستورد والمخلص، أما الأكاديميون فيطلبون من الصناعي السوري البحث عن بدائل يتميز بها وتحقق قيماً مضافة عالية.

و يرى أحد خبراء الاقتصاد أن كل بضاعة مهما كان مصدرها وتحمل المواصفة الجيدة والسعر المناسب تشكل منعكسات على المنتج المحلي أقلّها التأثير على المنتجات التي لاتحمل مزايا تنافسية وبالتالي سيؤول الموضوع إلى وقف الإنتاج إن لم يتمكن المنتج من المتابعة. ‏

موضحاً أنه كان يجب أن تجرى دراسة مقارنة بموجب قائمة تكلفة نموذجية تدرس بموجبها عناصر التكلفة في بلدنا وفي دول مجاورة أو منافسة ثم تستدرك بقرارات حاسمة تخفيض عناصر التكلفة العالية لتتوازن مع غيرها في الدول المنافسة وأن نسب الرسوم الجمركية المفروضة على المستوردات هي عنصر من عناصر حماية المنتج الوطني وليست كل شيء. ‏

ولا يلوم الخبير الاقتصادي المستهلك لإقباله على شراء المنتج الصيني إذا كان أكثر جودة وأرخص ثمناً، لكن عقدة المستورد تسيطر على أفكار كثير من الناس ويعتبرونها مباهاة في حيازة السلعة المستوردة.

 

‏ يبدو أن الإقبال على السلع الصينية من قبل المستهلك ليست عقدة المستورد كما يدّعي الصناعيون، بل المستهلك السوري واع ويعرف ماذا يريد: المنتج الأرخص بالسعر الأنسب.

ويرى أحد أساتذة الاقتصاد أننا نشكو لكننا لسنا الوحيدين فمشكلة البضائع الصينية ليست مع السوق السورية فقط بل مع كل دول العالم حيث تشعر بمنافسة وحتى في الولايات المتحدة الأميركية فهناك توجه نحو المنتج الصيني. ‏

ويضيف: إن الآثار الاقتصادية تتركز بعجز الميزان التجاري مع الصين والعالم كله، كما أن المصدر السوري لا يستطيع تصدير الكمية نفسها وبالمواصفات نفسها، وسورية كانت تصدّر لدول الخليج الكثير من المنتجات (كالعباءات والمصليات..)، الآن الصين تصدرها للخليج بكميات كبيرة وبأسعار منخفضة والمستهلك الخليجي يفضلها لرخصها. ‏

أما أثرها على المنتج الوطني فإنها قد تؤدي لإغلاقات في قطاع الصناعة التحويلية. ‏منوهاً إلى أن القطاع الصناعي كان يعمل برعاية الدولة وحمايتها، فكانت الرسوم الجمركية على السلع المستوردة عالية جداً، وهناك قائمة ممنوعات لمنع استيراد سلع معينة، بالتالي كان ثمة منتج محتكر غير مهتم بتحسين النوعية وتطوير نفسه وقدرته التنافسية وفجأة انفتح الاقتصاد السوري بشكل سريع فولدت جملة من التحديات. ‏

ويمكن أن تتجه الصناعة السورية لصناعات تتميز بها ولا تستطيع الصين المنافسة فيها كالقطن، حيث تمتلك ميزة نسبية في النوعية لكن لا نستثمرها وتستهدف هذه الصناعة شرائح عالية الدخل، كما أنها ذات قيمة مضافة عالية. ‏

عندما نطلب من الصناعي تخفيف هامش الربح وتحسين الجودة، يرد بالقول: إن المنتج الوطني حتماً أفضل من الصيني وأكثر جودة إلا أن أجور التكلفة واليد العاملة مرتفعة ولا نستطيع المنافسة مادامت الدولة لا تدعم ولا تقدم امتيازات وثمة آخرون يطالبون الحكومة بعدم تقديم أي امتيازات، إذ سقطت جدران حماية الحكومة التي تمثلت بقائمة ممنوعات ورسوم جمركية عالية على المستوردات احتكر المنتج الوطني على أساسها وتحكم بالسوق لفترة طويلة والمستهلك لا يعنيه لا هذا ولا ذاك بل همه الأول والأخير الحصول على سلعة رخيصة وتحقق مواصفات الجودة في ظل ظروف اقتصادية قاسية.‏

 

المصدر: موقع شام نيوز

آخر الأخبار