“دمشق الدولي” في حلته وحاله ومؤشراته.. علامــــة فارقـــة تؤســـس لمرحلـــة اقتصاديـــة مهمـــة للمنطقـــة بنكهـــة ســـورية خالصـــة

لماذا يعتبر معرض دمشق الدولي نصراً اقتصادياً..، ولماذا كلّ هذا الرهان عليه..؟، وهل يُعقل أن يختزل المعرض كل ما يحدث في سورية من حراك..؟، وماذا يعني استطاعة الدولة والحكومة وحتى المواطن، النجاح في إقامة هذه الدورة رغم كل التحديات التي تواجهها؟!.
أسئلة عديدة قد يطرحها الكثيرون، داخلياً وخارجياً، ممن يجهلون حقيقة التعافي الاقتصادي الذي تشهده سورية بسبب الحملات الإعلامية المضلّلة، والتي أكدها غير مشارك من ممثلي الشركات المشاركة ومنها الهندية على سبيل الذكر لا الحصر، فما كان منهم إلاّ أن أعلنوا تفاجؤهم بهذا الحدث الذي كان كافياً لهم لدحض كلّ ما كان يروّج في وسائل الإعلام المسيطرة على الرسالة الإعلامية العالمية.
ما قبل وبعد..
حتى أن من كان يعلم بحقيقة الأوضاع في سورية والذين سمعنا حديثاً منقولاً عنهم، ومن شخصية مال وأعمال سورية مرموقة، لم يكونوا أقل من نظرائهم الهنود، ولا نكشف سراً إن أعلنا أنهم الأصدقاء الصينيون، وبحسب المصدر، فالشركات الصينية المشاركة في المعرض كانت مشاركتها بداية من منطلق جسّ النبض والتقييم للأوضاع..، وأنهم بعد أن يطلعوا على الواقع سيكون هناك إقدام أو تروٍ في الدخول وبقوة إلى السوق السورية، لكن مع ما شهدوه بأم العين وسمعوه بالآذان المنصتة جيداً لكل تفصيل، سيكون هناك ليس كلاماً آخر بل فعل آخر.
عربياً.. وعلى مرمى حجر كان للأشقاء اللبنانيين موقف ليس أقلّ أبداً مما خبره الهنود والصينيون وغيرهم..، فالأمين العام لجمعية الصناعيين اللبنانيين الدكتور خليل شرف أكد لـ”البعث” أنهم وكقطاع خاص في لبنان، تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، قطاع متكامل مع شقيقه السوري، مبيّناً أن فترة الانقطاع الحديّة التي انعكست سلباً على البلدين، أكدت أن قدرهما واحد، وبالتالي فإن تعاونهما يجب أن يعاود انطلاقته وبزخم أكبر وأكثر، متمنياً أن يكون الصناعيون اللبنانيون الأولى بالرعاية من جانب الإخوة في سورية، مراهناً على أن المعرض سيكون مدخلاً للكثير من التعاون في المجال الصناعي، بعد هذا الحدث اللافت فيما شهده.
مؤشرات أولية
وزير الصناعة المهندس أحمد الحمو، والذي أخرَّنا شهادته ( كونها مجروحة) لأنه من رجالات المعرض الذي شهد مكتبه وعلى مدار أسبوع توتراً وحراكاً مهماً للعديد من الشركات العربية والأجنبية..، أكد لـ”البعث” وبعد انتهائه مباشرة من لقاء الوفد التجاري- الصناعي السوداني أمس، حيث كانت خلاصة اللقاء محطّ سؤالنا عما تمخّض عنه بعد اليوم الثاني من افتتاح المعرض، أكد أن تواصل الأشقاء السودانيين معهم خلص إلى رغبتهم، بالاستفادة من المزايا النسبية للمنتجات السورية وخاصة النسيجية والألبسة الداخلية وغيرها مما تحتاجه أسواقهم، لإجراء عقود تصدير لها إلى السودان، لافتاً إلى أنهم سيتواصلون مع المؤسسة العامة للصناعات النسيجية من أجل إتمام ذلك.
كما أكد استمرار تواصل الشركات المشاركة مع الوزارة وخاصة الروسية والإيرانية والهندية..، من أجل العمل على اتفاقيات عمل استثماري مشترك، معتبراً أن هذه المتابعة وملاحظة مدى الاهتمام، هي بحدّ ذاتها مؤشر واضح وانعكاس مباشر لنجاح المعرض في تحقيق الأهداف المأمولة منه، حيث ستفتح العديد من قنوات التعاون الثنائي.
ردود إيجابية كبيرة
واعتبر الحمو هذه الردود الإيجابية الكبيرة جداً، تأكيداً على رغبة الشركات لتطوير مجالات العمل والاستثمارات، منوهاً بأن هذه يحتاج إلى وقت كي تصبح واقعاً حقيقياً، ولذلك فالصناعة ستعمل على إعداد كل ما يلزم من متطلبات بغية تحقيق ذلك.
أما حول تقييمه للمشاركة الجماهيرية غير المتوقعة، فقد بيّن أنها بمثابة مؤشر كبير على أن المواطن السوري مع كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، كما هي مؤشر مهم على مدى تجاوبه وتقديره للتضحيات الكبيرة لقواتنا المسلحة، والتي مكنّته من المشاركة بالانتصار الاقتصادي.
حسب المختصين
وبالعودة لمقدمة ما بدأناه من تساؤلات، يجيب مختصون في صناعة المعارض أن معرض دمشق الدولي في حلّة نصره الـ 59، حقّق الأهداف التي طالما تعمل عليها مثل هكذا فعاليات، ومن أهمها التأكيد أنه من أهم الأدوات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية والسياسية. وقد ترجم بجدارة اهتمام ورعاية الدول بتنميتها من خلال تطوير العناصر المرتبطة بها مثل: تطوير البيئة التنظيمية والإجراءات الحكومية، وتطوير القدرات البشرية والتسويقية، وكذلك تطوير الفنادق ومنشآت المعارض والمؤتمرات. كما أكد وضع اللبنة الأولى لمثل هذه المعارض في إطار محدّد يسهل التعامل مع عناصرها وتطويرها وتسويقها، كاستحداث الجمعيات المتخصّصة فيها، وتنمية الاستثمارات في الشركات المنظمة لها، وإعداد الكوادر المختصة بها، حيث تشكل مثل تلك الفعاليات فرص عمل دائمة في الدول الرائدة فيها تقدّر بمئات الألوف، ناهيكم عن فرص العمل غير المباشرة، وفي هذا السياق كشف رئيس اتحاد المصدّرين السوريين أن المعرض وفر 50 ألف فرصة عمل، وهذا دليل على أهمية هذه الصناعة.
صناعة واعدة
ولو حاولنا تقصي أرقام العائدات المالية وغير المالية لمثل تلك الفعاليات في الدول المتطورة في صناعة المؤتمرات وتنوّعها لأذهلتنا الأرقام والمعلومات، فقطاع المعارض والمؤتمرات في كثير من دول العالم صناعة ذات رافد وقطاع اقتصادي مهمّ، مما حفز حكومات تلك الدول على إيلائه أهمية خاصة ودعمه وتنميته، كما أن هناك نمواً متزايداً في اهتمام الدول به، وتقوم الكثير من الدول بالتعامل معه كقطاع اقتصادي رئيسي، وعلى سبيل المثال يُعدّ الناتج الاقتصادي من صناعة المعارض والمؤتمرات والاجتماعات أكبر من الناتج من صناعات أخرى، فمثلاً في أمريكا هو أكبر من صناعة السيارات بـ 30% وذلك حسب تقرير منظمة السفر الأمريكية.
فرص عمل
ووفقاً لأهل الخبرة والاختصاص أيضاً هناك فوائد اقتصادية كبيرة لقطاع المعارض والمؤتمرات، من المفيد عرضها ولو بشكل مختزل وتتمثّل بتأمين فرص مهمّة للعمل، إذ يُعدّ هذا القطاع مولداً كبيراً للوظائف الدائمة والمؤقتة العاملة في مجال توريد وتنظيم وإدارة الفعاليات، والخدمات المصاحبة لها، وتعتمد الكثير من الدول على هذا القطاع في توفير فرص وظيفية لمواطنيها، فعلى سبيل المثال يبلغ عدد سكان مدينة ملبورن بأستراليا قرابة أربعة ملايين نسمة، يعمل في المدينة أكثر من 22 ألف موظف في قطاع المعارض والمؤتمرات.
اقتصادية مباشرة
التبادل التجاري والمعرفي والصفقات التي تُعقد خلال المعارض والمؤتمرات، ومصروفات الزوار الدوليين للمعارض والمؤتمرات على السكن، والمواصلات والخدمات السياحية، وأيضاً زيادة الاستثمارات في قطاع المعارض والمؤتمرات، والتي تتضمن إنشاء مدن ومراكز ومرافق المعارض والمؤتمرات، وشركات إدارة مراكز المعارض والمؤتمرات، وشركات تنظيم الفعاليات، والمؤسسات الموردة للفعاليات، وشركات إدارة الوجهات، كلها عوامل اقتصادية مباشرة تؤدي إلى زيادة الفرص الوظيفية للمواطن.
بالأرقام..
بعض الأرقام للآثار الاقتصادية المباشرة الناتجة عن قطاع المعارض والمؤتمرات في أمريكا وكندا وألمانيا وأستراليا، قد تكون محفزاً لإيلاء هذه الصناعة حقها..، فبحسب مجلس فعاليات الأعمال الأسترالي، وهيئة المعارض والمؤتمرات بألمانيا، والمنظمة الـدولية لمحترفي تنظيم الاجتماعات MPI، وجمعية السفر الأمريكية، بلغ العائد الاقتصادي المباشر منها وعلى الترتيب، في أستراليا 17 مليار دولار، وألمانيا 89 مليار دولار، وكندا 32 مليار دولار، وأمريكا 263 مليار دولار، بينما بلغ عدد الوظائف الدائمة على التوالي: (214 ألفاً –غير متوفر- 550 ألفاً- 1.7 مليون)، أما نسبة ما تشكّله من الناتج المحلي الإجمالي: (2%- 2,9% – 2%- 1.8%).
أخيراً وليس آخراً..، نلفت إلى أمر غاية في الأهمية لا بد من التحضير له وبكثير من الحنكة والذكاء، وبالرغم من أن هذا القطاع يشهد استقراراً عاماً على المستوى الدولي، إلا أن المتوقع أن يشهد نمواً ملحوظاً ومتصاعداً في منطقتنا العربية، وخاصة فيما يُسمّى منطقة الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى ما ستشهده من حراك هائل على صعيد إعادة الإعمار، ولعلّ هذه الفرصة يجب ألا تفوتنا حتى نكون رواداً في هذه الصناعة، ومن أحقّ بها منا، فهل نفعل؟!.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com

آخر الأخبار