ترميم سوق السقطية الأثري في مدينة حلب .. مشروع وطن
13 تشرين الثاني 2020
تواصل سورية إعادة ترميم وبناء ما دمرته الحرب التي تتعرض لها، ويشكل ترميم سوق السقطية الأثري في مدينة حلب واحداً من الأمثلة الناجحة على جهود إعادة الإعمار
وفي التقرير التالي الذي أعدته الوكالة العربية السورية للأنباء /سانا/ نطلع على جانب مهم من جهود إعادة الحياة إلى سورية.
تقول الوكالة: بالأمل والعمل يحصد السوريون ثمار إعادة بناء وطنهم ليس كما كان بل أجمل مما كان كما تجلى ذلك بمشروع ترميم سوق السقطية الأثري في مدينة حلب القديمة مظهراً كفاءة الخبرات السورية الوطنية والدولية الصديقة في تأهيل المواقع التاريخية والخسائر الكبيرة التي لحقت بها جراء الحرب ليس على صعيد سورية فحسب وإنما على صعيد الإنسانية والتراث الثقافي العالمي.
ولم يقف المجتمع السوري من أفراد ومؤسسات ومنظمات عاجزاً أمام دمار الحرب ليغدو مشروع ترميم سوق السقطية “نموذجاً سورياً رائداً لإعادة الإعمار” بخبرات علمية وتشاركية فريدة بين مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية في سورية وجهات رسمية وخدمية منها مجلس مدينة حلب القديمة والمديرية العامة للآثار والمتاحف وأهلية تمثلت بالأمانة السورية للتنمية.
هذا السوق الذي يقع جنوب المسجد الأموي الكبير يعد واحداً من أسواق حلب الشهيرة الـ 37 التي تعود أصول أقدمها إلى القرن الرابع قبل الميلاد وتبلغ أطوالها مجتمعة 15 كم ومساحتها 16 هكتاراً تعرض معظمها لدمار متفاوت الشدة.
جاء اختيار سوق السقطية وفق معايير وضعها فريق العمل ليكون فاتحة لمشروعات إعادة الحياة إلى أسواق حلب القديمة لكونه أحد مراكزها الأساسية وسوقاً شعبياً يضم نسيجاً اقتصادياً متنوعاً وفعاليات تجارية مهمة ما جعل إعادة تأهيله بعد تسعة أعوام من الحرب والدمار بمنزلة بارقة أمل لعودة الروح للمدينة.
أعمال تأهيل السوق بدأت بمحوره الرئيسي وسطحه الخارجي وبنيته التحتية وإعادة تشغيل شبكات وأجهزة الإنارة باستخدام الطاقة الشمسية وتجهيز المحال التجارية تمهيداً لعودتها للعمل أما أعمال التدخلات الرئيسية فتضمنت استبدال الأبواب الأساسية التي صممت على نحو يتناسب مع النسيج المعماري للسوق وتزويد مداخل المحلات بعتبات بازلتية وفق المنسوب الأساسي للسوق وتنظيف الواجهات الحجرية وترميم الفاقد من الحجارة بحجارة قديمة مماثلة للأصل وغيرها الكثير.
العمل في المشروع الذي نال جائزة “ايكروم” الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية استغرق نحو 8 أشهر وتم الانتهاء منه في تموز عام 2019 دونماً تأخير وفق جدول زمني مدروس بمتابعة وتوجيهات فريق العمل من جميع الجهات بالاعتماد على كادر فني وطني مدرب وتحت إشراف خبرات عالمية مشهود لها.
غير أن المشروع لم يكن له أن ينجز بهذه الصورة والسرعة لولا مرحلة حساسة ودقيقة سبقت الشروع بالتأهيل شملت إعداد دراسات فنية وفق المواصفات العالمية والمعايير المحلية تحدث عنها لـ سانا الدكتور علي إسماعيل المدير التنفيذي لمؤسسة الآغا خان والتي عملت على إعداد الدراسات التفصيلية الكاملة وكانت الجهة الإدارية والمشرفة والممولة والمنفذة له عبر تجهيز الدراسات العلمية وتحضير عمليات الترميم وما شملته من منهجية دقيقة وتحديد المهام ووضع آلية مشتركة للتعاون بين الجهات المعنية لإنجاز الأعمال المطلوبة في الوقت المحدد.
واستعرض اسماعيل الآلية التنفيذية لوضع المخطط والذي استخدم فيه التكنولوجيا المتطورة وتقنيات ثلاثية الأبعاد لتجهيز مخطط المشروع ودراسات الحقب التاريخية والاجتماعية لكل مبنى وتاريخ إنشائه ما ساعد بمعرفة ترتيب الأولويات مبيناً أن تميز المشروع كان بالإعداد الدقيق غير المسبوق للدراسات والذي تجاوز آلاف الصفحات بكل تفاصيله ليشكل نموذجاً لأعمال الترميم اللاحقة بمختلف المناطق ولا سيما أنه تجاوز عمليات التأهيل وإعادة الأحياء بشكلها التقليدي إلى التفكير بالمستقبل من ناحية تزويد المكان بعناصر السلامة والأمان.
وحول دور مديرية الآثار في المشروع أوضح المهندس ماهر مارديني رئيس دائرة الترميم الأثري أنه تركز في المساهمة مع مؤسسة الآغا خان ومحافظة حلب بتدريب الكوادر الوطنية عبر تنظيم العديد من الدورات التدريبية لتأهيل معلمي حرفة يتقنون العمل الأثري من ناحية “دق الحجر يدوياً ونحته” للحصول على المواصفات الصحيحة وإقامة محاضرات تعنى بأصول حماية المواقع التاريخية باستخدام المواد التقليدية منها “الكلس والآجر اليدوي والجص” مؤكداً أن هذه التشاركية أسست كوادر وطنية قادرة على المساهمة في إعادة إحياء الأسواق القديمة بحلب مع المحافظة على مبدأ الأصالة والتدقيق في منهجية العمل باستخدام تقنيات ترميم عالمية للحفاظ على التراث المعماري السوري.
ودور مدينة حلب القديمة تحدث عنه مدير المدينة المهندس أحمد الشهابي مبيناً أن المديرية تعاونت مع فريق العمل لتنفيذ الأعمال الهندسية التي تضمنت ترميم القباب وتنظيف الواجهات وتأسيس البنى التحتية من الكهرباء والصرف الصحي وإزالة التشوهات البصرية وتركيب أبواب خشبية وفقاً للقرارات المدرجة ضمن برنامج مواقع التراث العالمية الدولية الذي تديره اليونسكو لافتاً إلى أن السوق هو صلة الوصل الأساسية بين باقي أسواق المدينة وعودة الحياة له هي بداية العودة لها جميعاً.
أما أصحاب المحال التجارية على تنوع مجالاتهم من بيع المكسرات واللحوم والبهارات فأكدوا أن محلاتهم عادت أفضل مما كانت بعد أن زودت بخدمات حديثة من إنارة بالطاقة الشمسية وبنى تحتية منظمة معربين عن آملهم بعودة الحياة بشكل كامل لأسواق حلب.
وتمثل دور الأمانة السورية للتنمية في المشروع من خلال برنامج التراث الحي حيث تركز عملها على عملية مسح اجتماعي لطبيعة المهن والأسواق بالتعاون مع مجلس مدينة حلب حيث أوضح جان مغامز مدير فرع الأمانة في حلب أن العمل كان عبر 3 مراحل تمثلت بتشكيل لجنة للتواصل مع جميع أصحاب المحلات في هذه المنطقة وعددها 53 محلاً والاطلاع على التحديات وحل المشكلات وتأمين المستلزمات الأولية للمحال إضافة إلى تأمين أوراق تثبت ملكيتهم القانونية والتواصل مع تجار حلب القديمة ليكونوا محفزين وداعمين لتجار سوق السقطية.
الوكالة العربية السورية للأنباء سانا: رشا محفوض